في 9/12/2003م وقعت حكومة الكويت علي "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد"، بعد ما أعلنت عنها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30/10/2003م وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ عالميا في 14/12/2005 وإن الدولة بعد المصادقة على أي اتفاقية تلتزم فور هذه المصادقة بتنفيذ وتطبيق ما جاء فيها من أحكام قانونية, وفي ذلك تقول المادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بين الدول لعام 1969 أنه يجب على الدولة أن تقوم - وبحسن نية - بتنفيذ الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها. وان عدم إصدار قوانين داخلية أو لوائح تنفيذية لا يجوز أن يكون سببا في عدم تنفيذ الاتفاقيات الدولية, وفي ذلك تقول المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بين الدول لعام 1969 أنه لا يجوز لأي دولة طرف في اتفاقية دولية، أن تحتج بقوانينها الداخلية كسبب لعدم تنفيذ التزاماتها الدولية. أقر مجلس الأمة بجلسته في 21 /11/ 2006، الموافقة علي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بالإجماع في المداولة الأولي و كذلك في المداولة الثانية استثناء من المادة 104 من اللائحة الداخلية و تقرر إحالته إلى الحكومة. ومن ثم صدر القانون رقم 47 لسنة 2006 بتاريخ 4/12/2006، ونشر في العدد 797 من الجريدة الرسمية 10/12/2006 وبعد ذلك قامت الحكومة بإيداع موافقة دولة الكويت على الاتفاقية لدى الأمين العام للأمم المتحدة في 16/2/2007، وتعتبر الاتفاقية جزأ لا يتجزأ من القانون الكويتي وفقا للمادة 70 من الدستور وأصبحت الاتفاقية نافذة في دولة الكويت بتاريخ 17/3/2007، باستثناء ما ورد في المادة الأولى من قانون إقرارها من تحفظات، علي بنود جزئية من بعض المواد والتي تخص إلزامية التحكيم، والأساس القانوني لتسليم المجرمين. وتقرر الفقرة الأولي من الخامسة من الاتفاقية ما يلي: "تقوم كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، بوضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة". وكذلك تقرر الفقرة الخامسة من المادة الثامنة: "تسعى كل دولة طرف، عند الاقتصاد ووفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، إلى وضع تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين بأن يفصحوا للسلطات المعنية عن أشياء منها ما لهم من أنشطة خارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات وهبات أو منافع كبيرة قد تفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين".
مواكبة لقرار التفسير رقم 10 لسنة 2011 الصادر من المحكمة الدستورية، بمناسبة الاستجواب السابق المقدم لسمو رئيس مجلس الوزراء (وقد تم تناول ذلك في موضوع مستقل سابق من هذه المدونة في نهاية شهر أكتوبر بعنوان الاستجواب بين الدستورية والمجلس)، فقد تقدم بعض من النواب مؤخرا باستجواب جديد لسموه، حيث رأى المستجوبون أن رئيس الوزراء تجاهل القانون رقم 47 لسنة 2006، وبذلك يوجب قيام مسؤولية رئيس مجلس الوزراء, ويحق بالتالي لأعضاء مجلس الأمة استجوابه إما بسبب الامتناع عن وضع السياسة العامة, أو بسبب تعارض تلك السياسة مع الدستور أو المصلحة العليا للدولة, أو بسبب التراخي في تنفيذ السياسة العامة المقررة حتى لو كانت إجراءات تنفيذ تلك السياسة العامة من اختصاص وزارة أو وزارات بعينها, ذلك أن امتناع تلك الوزارات مجتمعة أو امتناع بعضها عن القيام بواجباتها يشكل, في حقيقة الأمر, "سياسة عامة" جوهرها الامتناع عن القيام بالواجبات, وهو ما يسأل عنه رئيس مجلس الوزراء ويستدعي محاسبته حتما. وان الحكومة لم تبادر إلى وضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد, إرساء وترويج ممارسات فعالة تستهدف منع الفساد, إنشاء هيئة لمكافحة الفساد. وذلك استنادا لنص المادة (100) من الدستور التي تمنح "لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة الحق في أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصاتهم ...".
ويتضح من الاستجواب المقدم أن السلطة التشريعية تضع اللوم علي التنفيذية لتقاعسها في إصدار قانون مكافحة الفساد دون مبرر، خصوصا بعد التصديق علي الاتفاقية بقانون كما هو مبين أعلاه وهو ما يجعل لأحكام الاتفاقية قوة القانون، فلو لم تشترط الفقرة الخامسة من المادة الثامنة لنفاذ الأحكام وضع التدابير التشريعية لكان حكم الاتفاقية بذاته نافذا وملزما، وبما أن المسئولية تقع علي جميع السلطات العامة الموجودة في الدولة بما فيها ذلك السلطة التشريعية، فإنه من المخالفات التي قد ترتكبها السلطة التشريعية عدم قيامها بإصدار القوانين اللازمة لوضع الاتفاقيات والالتزامات الدولية موضع التنفيذ, وذلك لأن الدولة كوحدة واحدة وبالتالي تعتبر أعمال سلطاتها العامة أعمالاً منسوبة إلى الدولة ككل. وإن عدم إصدار مجلس الأمة لقوانين لوضع بعض أحكام اتفاقية مكافحة الفساد موضع التنفيذ هو تقصير وخطأ لا يجوز أن يستفيد منه من تسبب في وقوعه, وذلك لأن المصادقة على الاتفاقية منذ فترة زمنية تصل لخمس سنوات تعتبر مدة كافية لإصدار القوانين اللازمة لوضعها موضع التنفيذ. وبالتالي لا يجب أن يكون اللوم علي سلطة دون الأخرى لان التعاون واجب فيما بين السلطات، ولان الاستجوابات في الفترة الأخيرة توالت استجواب تلو الآخر فيعتبر هذا الاستجواب هو الأخير فاذا لم تتحقق في مجلس الأمة الأغلبية اللازمة لإصدار قرار "بعدم الثقة" أو "بعدم التعاون"، يتوجب على بعض أعضاء مجلس الأمة التابعين للكتل الداعمة للاستجواب الوفاء بالوعد الذي قطعوه على انفسهم أمام الجماهير وتقديم استقالاتهم، وبالتالي قد لا يكون هناك أي استجواب قادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق