اهلا وسهلا

يسعدني زيارتكم لمدونتي،،، " شروق " اسأل الله ان تحوز اعجابكم،،، علما بانني لا استغني عن ارائكم وارشاداتكم التي اضعها بعين الاعتبار،،، وشكرا... عبدالله الضعيان،،،

الخميس، 24 يناير 2019

طبيعة الالتزام في المسئولية المجتمعية



في القانون تثور مسألة الالتزام، الموجب للمسئولية، كأثر لعدم الالتزام أو كأثر للإخلال بالالتزام. فمثلاً في القانون المدني يتوجب الالتزام بأخذ الحيطة والحذر لعدم الوقوع في الخطأ المسبب للضرر لأي كائن كان، وذلك ما يسمي في القانون المسئولية التقصيرية. حيث يلتزم المخطئ بتعويض المتضرر تعويضا جابرا للضرر، اذا ثبتت العلاقة ما بين الخطأ المرتكب والضرر الذي حاق بالآخر.
وكذلك توجد المسئولية العقدية عن الإخلال في التزامات العقد سواء كانت عقود بيع أم شراء أو المقاولة.... إلخ، وتوجب التعويض أيضا.
وفي القانون الجنائي يكون الجزاء بالمرصاد لن ينتهك أي قاعدة تجرم أي فعل، ولفعله الآثم يكون مستحقاً للعقوبة، وهو ما يطلق عليه المسئولية الجنائية.
وأيضا قانون الموظفين يكون الموظف عرضة للعقوبة التأديبية الصادرة بحقه من جهة الإدارة بسبب إهماله أو عدم إتقانه لعمله، وهذا ما يسمى المسئولية الإدارية.
هذه المقدمة البسيطة والمختصرة فقط لتوضيح الارتباط بين المسئولية والالتزام، فما تم بيانه يعبر عنه بمصطلح المسئولية القانونية.
والمسألة هنا ما هو تكييف المسئولية المجتمعية؟؟
فالمسئولية المجتمعية تقوم على ثلاثة أبعاد وكأنها مثلث، وكل بعد من هذه الأبعاد الثلاثة بمثابة ضلع للمثلث فإذا تم تجاهل أحد الأضلاع لا يتشكل المثلث، وبالتالي فإن أركان المسئولية المجتمعية هي: المجتمع، البيئة، والاقتصاد. فلابد للاقتصاد المتمثل بالتجارة والمصانع والمعامل والأعمال مهما كان حجمها، أن يحترم البيئة المتمثلة بكوكب الأرض الذي نعيش فيه بكل محتوياته ماء وهواء ويابسة، والالتزام بعدم الأضرار بالبيئة. وحتى المجتمع المتمثل بالسكان أو البشر الذين سخرت لهم الأرض وما عليهم لابد أن يحافظوا عليها ولا يعيثون بها فسادا، فالبيئة تعطينا ما نريد وما لا نريد، فلابد أن يكون جزاء الاحسان الا الاحسان، ويتقابل هذا العطاء بالشكر والامتنان، فلولا المصادر الطبيعية بجميع مشتملاتها لما استطاع البشر أن يعيش على كوكب الأرض، وكذلك لما استطاعت الدورة الاقتصادية أن تكتمل، والأمر كذلك إذا نظرنا للعلاقة بين المجتمع والاقتصاد، فالمؤسسات الاقتصادية منتجة والمجتمعات هي المستهلك، ولن تكتمل الحلقة إلا بتعاون الاثنين معاً، ليس بمصلحة الاقتصاد الربحية فقط، ولا حتي بمصلحة المجتمع الحصول علي ما يريد من خدمات وسلع، دون الاخذ بالاعتبار مصلحة البيئة التي لولاها لما تحققت الأرباح الاقتصادية ولا تحققت رفاهية المجتمعات، وبالتالي يتعين على المجتمعات المحافظة على البيئة لأنها هي الحاضنة لهم، والمؤسسات الاقتصادية وإن كانت شخصيتها اعتبارية، ولكنها مشكّلة من مجموعة من الأفراد وبالاساس هم المجتمع مطالبين أيضاً بحماية البيئة. 
أما المؤسسات بشخصيتها المعنوية، فلابد وأن تساهم بدرء الأخطار عن البيئة، وكذلك لابد أن يكون لها دور إيجابي في تحسين أوضاع أفراد المجتمع، وذلك يتأتى برسم الأهداف التي تحقق رؤية الاستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة لمواجهة التحديات التي تهدد الأفراد والبيئة والوصول لحلول تمنع تفاقم تلك المواجهات الصعبة.
فتلك الكيانات الثلاث الكيان الاقتصادي والمجتمعي والبيئي لا بد وأن يتم التوازن بين مصلحة كل كيان، فليس من مصلحة أي كيان من تلك الكيانات الثلاث تغليب مصلحته علي الآخر. مثلا ليس من المعقول أن يزدهر الاقتصاد وتتدهور البيئة مما ينعكس سلبا علي حياة المجتمع. وكذلك الحل اذا استمرأ المجتمع علي البيئة مما يكبد الاقتصاد خسائر فادحة بتفرغه لمعالجة الأضرار البيئية وعدم الالتفات لرفاهية المجتمع، ونقصد بالاقتصاد هنا كل منظمة تعمل لأجل تقديم خدمة للمجتمع سواء كانت بمقابل أو دونما أية تكلفة، ومهما كان حجم تلك المنظمة وتصنيفها سواء حكومية أو تجارية أو مؤسسة مجتمع مدني.
وبالتالي فالمطلوب تعاون المجتمعات البشرية والكيانات الاقتصادية في تحقيق المصلحة المشتركة ولا تغليب مصلحة علي أخري ليس من أجل الحفاظ علي البيئة فحسب، بل لأن حماية البيئة تعتبر حماية للاقتصاد والمجتمع معا.
إذن المسئولية ليست قانونية وإن كان يوجد بعض القوانين لحماية البيئة وتغليظ العقوبات بشأنها، فمسئولية الأفراد تجاه البيئة مسئولية قناعة للمحافظة على البيئة قبل أن تكون مسئولية قانونية، وكذلك مسئولية المؤسسات الاقتصادية تجاه أفراد المجتمع يجب أن تكون مسئولية نابعة من الإحساس بضرورة التدخل للحد من المشاكل وفق ما رسمتها خطة التنمية المستدامة ولا يتأتى ذلك إلا من خلال النتائج التي تحققها الأهداف المرسومة لكل دول العالم، فقد تختلف الأهداف المراد تحقيقها من دولة لأخري.
وهذه المسئولية هي بمثابة الالتزام الطبيعي، او المسئولية الادبية، وتختلف عن المسئولية القانونية التي تم الإيجاز بشأنها فانها يفرضها القانون، وتقوم بين شخص وآخر جاني ومجني عليه، أو دائن ومدين، والفاعل فيها يقع تحت طائلة القانون. أما المسئولية المجتمعية فإنها نابعة من عنصر ذاتي وهو الضمير والفاعل فيها هو الخصم والحكم، وتعد المسؤولية الأدبية أعم من المسؤولية القانونية وأوسع نطاقاً منها؛ وذلك لأنه لا يشترط فيها الإضرار بالغير. بل يكون الدافع لها تحسين ظروف الغير ليس من باب الصدقة والإحسان، وليس خضوعا لأي التزام قانوني، بل لأنها أمر أخلاقي ذو أثر محمود نتيجة الالتزام الطبيعي. 
منشور في الكتاب العربي للمسئولية المجتمعية الجزء الأول، إصدار: الشبكة الإقليمية للمسئولية المجتمعية والمعهد العربي للتخطيط، 2019، ص 39