لكي يدرك الشخص العادي المتابع لسير الأمور حقيقة تداعيات عقد داو كميكال، نوضح بداية ان كلمة داو تعني اختصار لاسم شركة امريكية يعمل بها اكثر من 50 الف عامل بمختلف دول العالم، في مجل الصناعات النفطية والكيماوية، وقد تسبب انفجار احد مصانعها بمقتل 2500 شخص بالهند، وقد بدأت قضية الداو حينما أرادت مؤسسة البترول ممثلة بشركة البتروكيماويات الدخول كشريك مع شركة داو الأمريكية وذلك عن طريق شراء حصة في مصانع تمتلكها الثانية وتصل نسبة الشراء تقريبا إلى 45% من الشركة البائعة داو، وقيمة الصفقة حينذاك في عام 2008 تقدر ب 9.5 مليار دولار، وقد قامت مؤسسة البترول بتوقيع عقد أولي تلتزم فيه بإتمام الصفقة، وتوافق بالشرط الجزائي الذي ينص بالزام الشركة الكويتية بدفع غرامة جزائية في حال عدم تمام الصفقة، وكانت مؤسسة البترول والوزارة والمجلس الأعلى للبترول على أهبة الاستعداد لتوقيع العقد وإتمام الصفقة، ولكن أمام الضغوط السياسية لأعضاء البرلمان، رأوا أن لا محالة من إلغاء الصفقة وعدم إبرام العقد، وخصوصاً وأن عملية الرجوع في القرار تمت في اللحظة الأخيرة، واستند المعارضين للصفقة بأن أصول شركة داو المراد الدخول معها كشريك مجرد مصانع قديمة أكل عليها الدهر وشرب، وهي لا تساوي ولا تتلاءم مع السعر المتفق عليه، حيث أن السعر مبالغ فيه وان تلك الاصول حسبما قيل انها كانت تقدر بسعر اقل بكثير من هذا السعر قبل الازمة المالية العالمية، وان الشركة الامريكية مطالبة بدفع تعويضات عن القضايا المرفوعة عليها بعد حادثة مصنع الهند، وانها استنزاف للمال العام وتحوم حولها شبهات تنفيع، وأمام هذه الضغوط رضخت مؤسسة البترول وقامت بإلغاء الصفقة. ودون وضع العواقب الوخيمة في الحسبان وبعد مرور ثلاث سنوات أي منذ عدة أيام فقط صدر قرار التحكيم والذي يقضى بإلزام شركة البتروكيماويات بدفع الغرامة الجزائية المنصوص عليها بالعقد والبالغة قيمتها 2.6 مليار دولار، ومن هنا بدأت المشكلة مرة اخرى، فمن كان ينادي بإلغاء الصفقة على أنها مشبوهة اصبح يردد أن مسئولية الغرامة تقع على عاتق الشركة الكويتية التي لم تلتزم الحيطة أثناء توقيع العقد ولم تقدم معلومات كافية ووافية عن العقد وقيمته وبند الغرامة، ولم تأخذ في الاعتبار التحذيرات بإلغاء الصفقة منذ البداية وقبل الدخول بأي التزام، ويستند من قام بالتوقيع أن الشركة لو تم شراء أصولها حينذاك كانت قيمة السهم 8 دولار وفيما بعد وصل سعر السهم إلى 30 دولار، ومن ثم في نظرهم بأن القرار السياسي كان له الأثر في الخسارة وفوات الربح.
ولنفرض جدلا ان الالغاء تم تحت الضغط السياسي فليس معنى ذلك اهمال الالتزامات بالعقد ويجب بيانها وتوضيحها للجميع بكل شفافية ومثلما يتم اخذ الموافقة عند بداية العقد يجب اخذ الموافقة عند الغاؤه وتحميل تبعة مسئولية الالغاء على عاتق من يطالب بالإلغاء، وأيضا النواب الذين طالبوا بإلغاء الصفقة لاحتوائها على أي خطأ حسبما يرون وبعد تحقق ما طالبوا به لم ينته دورهم الى هذا الحد، فهم ملزمون بمحاسبة من تسبب بالخطأ عند بداية توقيع العقد وعدم السكوت لحين صدور حكم الغرامة المليارية، علماً بأن أجور ومصاريف التحكيم أيضا مبلغ لا يستهان به بحسب النسبة المتفق عليها ومؤكد أنها لا تقل عن 10% من قيمة الغرامة، ومن ينفي ذلك بحجة أن شركة داو هي التي لجأت للتحكيم ويقع على عاتقها دفع مصاريف التحكيم، تكون الإجابة وماذا عن الدفاع أمام لجان وهيئة التحكيم هل الشركة الكويتية لم ترسل ولم تنتدب جهة ما للدفاع عنها. ولكن يبقى أن نشير إلى أن مبدأ الشفافية في العلاقة بين السياسيين أعضاء البرلمان والطاقم الفني ممثل بالقطاع النفطي كانت شبه معدومة، فلم يتجرأ طرف ببيان مخاطر العقد للطرف الآخر خصوصاً الطاقم الفني انصاع للقرار السياسي دون تقديم شرح حول هذه الخطوة، وتم أخذ القضية كأنها عناد ومآرب شخصية كل يريد تنفيذ ما يراه، وهو الصواب، فلو أن الطرفين تقدما بيد متعاونة هدفها الاصطلاح يسودهما مبدأ الشفافية لما حصل ما حدث، ولكن يجب أن تتظافر الجهود لمنع التكرار مستقبلا، ومحاولة البحث عن مخرج من هذه الازمة ويرى البعض اللجوء للحل الودي مع الشركة الامريكية خصوصا ان لها عقود ومصالح كثيرة وعلاقات مشتركة في الكويت، فمن الصعب جدا التحلل من الالتزام واعادة الحال كما كانت عليه قبل توقيع الالتزام، فالخسارة على الجميع والمتضرر منها البلد والمواطن، والله خير الحافظين.