جاء أحد الولاة إلي عمر
بن عبد العزيز وأخذ يحدثه عن أمور المسلمين وكان الوقت ليلاً وكانوا يستضيئون
بشمعة بينهما، فلما انتهى الوالي من الحديث عن أمور المسلمين وبدأ يسأل عمر عن
أحواله قال له عمر: انتظر فأطفأ الشمعة وقال له: الآن اسأل ما بدا لك، فتعجب
الوالي وقال: يا أمير المؤمنين لم أطفأت الشمعة؟ فقال: ” كنت
أضيء شمعة من مال المسلمين (المال العام) و أنا في مصالحهم، أما وأنتَ تريد أن
تسأل عن أحوالي، فقد أضأت شمعة من مالي الخاص”. والمال العام حسبما قال
بعض الفقه هو ما تمتد إليه الأطماع، ويصلح عادة وشرعا للانتفاع به.
فقد أصبح لظاهرة
الاعتداء علي المال العام حيزا كبيرا في واقعنا اليومي وتقتحم مجال تفكيرنا مثل
(الكابوس) ليل نهار باعتبارها من أخطر القضايا التي تهدد الأمن الاجتماعي
والاقتصادي والسياسي، ولوحظ ارتفاعا في معدلات قضايا الاعتداء على المال العام في
الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، بأصناف متعددة كما وكيفا، لذلك أصبحنا نسمع
بين حين وآخر عن مظاهر الاعتداء علي المال العام بصور متباينة مثل اختلاس وخيانة
الأمانة ورشوة وسرقة واستيلاء، لأن الناس مختلفون بحسب ثقافة كل منهم، وهذه
الظاهرة الخطيرة تتنافى وروح التعاليم الإلهية والشريعة الإسلامية، التي تبين أن
الأصل في الحياة هو الفطرة السليمة التي جبلت علي الخير والنزاهة ترسيخا لمبدأ
الأمانة والنقاء سمو الأخلاق والشفافية، فالواجب هو حراسة المال العام وصونه من
الضياع، والأصل في المال العام أن يكون حقاً لجميع أفراد الأمة، ويرتبط بمفهوم
الدولة، ولقد بدأ الاهتمام الدولي بمكافحة الاعتداء علي المال العام باعتباره احدي
مظاهر الفساد بإنشاء العديد من المنظمات التي تحارب الفساد، وقيام الأمم المتحدة
بصياغة اتفاقيات عالمية لمكافحة الفساد، ومنع الاعتداء علي الأموال العامة فلم
تتواني دولة الكويت في المصادقة عليها بالقانون رقم 47 لسنة 2006، وقبل ذلك أصدرت
التشريعات اللازمة وفرضت عقوبات بعضها تصل للسجن المؤبد، فصدر القانون رقم 1 لسنة
1993 بشأن حماية الأموال العامة والمادة الأولي تنص ” للأموال العامة حرمة،
وحمايتها ودعمها والذود عنها واجب على كل مواطن”. وقد أتت مطابقة تماما
لنص المادة 17 من الدستور الكويتي، فمن هذا المنطلق لا بد من محاسبة من يثبت
تقصيره في القيام بالمسئوليات الموكل بها نذكُر قولَ الخليفة عمر -رضي الله عنه-
“لو أن بغلة عثرتْ في الطريق بالعراق، لسئل عنها عمر: لم لَم تمهد لها الطريق؟”.
والدولة لن تتوانى مطلقا في إحالة كل من يتطاول أو يعتدي على المال العام على
القضاء.