الخليفة عمر بن الخطاب رضي
الله عنه قيل انه رأى إبلاً سماناً حسنة المنظر فسأل: لمن هذه الإبل؟ قالوا:
لعبدالله بن أمير المؤمنين، فأتى بابنه يسأله عنها، فقال عبدالله: أتاجر بها
وابتغي بها ما يبتغيه المسلمون. فقال عم: ويقول الناس حين يرونها، ارعوا إبل ابن
أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين! يا عبدالله بن عمر، خذ رأسمالك الذي
اشتريت به هذه الإبل، واجعل الربح في بيت مال المسلمين.
تلك أروع الأمثلة يضربها
لنا الخلفاء المسلمين في مسألة تعارض المصالح، فقد كانت لديهم تلك السلوكيات نابعة
من الوجدان بخطاب من الباري عز وجل في محكم كتابه وتوجيهات المصطفي صلي الله عليه
وسلم، وانطلاقا من هذا النهج الإسلامي السامي، برزت المادة 121 من الدستور الكويتي
لتقرر حرمان أعضاء مجلس الأمة من إبرام العقود التي تكون الدولة طرفا فيها إبان
سريان العضوية، علما بان ذلك النص يستغرق الوزراء أيضا لأنهم أعضاء بالمجلس بحكم
وظائفهم حسب نص المادة 80 من الدستور. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل القانون
الكويتي اوجد العديد من القواعد القانونية موزعة حسب المخاطب والمكلف بها تحظر
عليه تحقيق أي منافع شخصية بسبب او بمناسبة الوظيفة ووضع جزاء للمخالف. ولأهمية
قواعد السلوك الإنساني في تعزيز الثقة بين المؤسسات والجهات العامة وبين الأفراد
علي مستوي مواقعهم في المجتمع يحقق العدالة والشفافية، لم يتواني المشرع الكويتي
بالمصادقة علي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2003، ومن أحكام
الاتفاقية ان تقوم كل دولة عضو فيها بوضع معايير للسلوك الواجب إتباعه من قبل
الموظفين العموميين أي أن تحدد تلك السلوكيات في مدونة أو لائحة يعلم بها الكافة لإتباعها
ومن يخالف ذلك سيعاقب، ومن أهم بنود تلك اللائحة وضع تدابير ونظم تلزم الموظفين
العموميين بأن يفصحوا للسلطات المعنية عما يخصهم من أنشطة خارجية وأعمال وظيفية
واستثمارات وموجودات وهبات أو منافع تتعارض فى المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين.
وبما أن تلك الاتفاقية بمثابة القانون الوطني التي يستسقي منها المشرع سن القوانين
المطابقة لها، تتضح ضرورة سن قانون جديد ينظم تعارض المصالح وقواعد السلوك العام، ولا
يتأتي ذلك إلا من خلال تشريع خاص يلزم كل جهة بوضع لائحة سلوك يتبعها منتسبيها
نظرا لاختلاف العمل ومواقعه باختلاف الجهات الخاضع لها العاملين والموظفين لجعل
بيئة العمل بيئة صحية وإنتاجية في ذات الوقت. علما بأن قواعد السلوك نابعة من الحس
الإنساني الواعي قبل أن تكون قواعد قانونية ملزمة تعاقب من يخالفها، تدلل علي
المهنية والأخلاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق