اهلا وسهلا

يسعدني زيارتكم لمدونتي،،، " شروق " اسأل الله ان تحوز اعجابكم،،، علما بانني لا استغني عن ارائكم وارشاداتكم التي اضعها بعين الاعتبار،،، وشكرا... عبدالله الضعيان،،،

الاثنين، 16 ديسمبر 2019

المسئولية الاجتماعية التثقيفية في القانون



بالنظر للمفهوم الواسع للمسئولية المجتمعية، نجد انها تتنوع بحسب الهدف المراد الوصول اليه، ولكنها اي المسئولية المجتمعية بالرغم من تنوعها وتعدد اشكالها الا انها تتناغم بمختلف صورها لتصب في المصلحة العليا او المصلحة الاممية سواء تعود بالفائدة للفرد او انها تعظم من الدور الاقتصادي مع مراعاة الاعتبار البيئي. فالمسئولية المجتمعية اوسع واشمل من ان يتم اقتصارها علي صورة او نوع واحد او حتي عدة انواع فهي مسئولية اصيلة ملاصقة للحياة وجودا وعدما لمن يستوعب معناها ويفهمها ويسعي لتطبيق ولو جزء يسير منها، وانواع المسئولية قد تتزايد وتتطور بحسب تطور الحياة واشكالها، نذكر منها علي سبيل المثال وليس علي سبيل الحصر المسئولية الاجتماعية من حيث الالتزام الديني، والمسئولية الاجتماعية من حيث الالتزام الاخلاقي، والمسئولية الاجتماعية من حيث الالتزام الاجتماعي، والمسئولية الاجتماعية من حيث التعليمي، والمسئولية الاجتماعية من حيث القانوني،،، الخ
ففي المجال القانوني فقط نري ان المسئولية الاجتماعية ايضا تتعدد وتتشعب بحسب الفكرة المراد تحقيقيها، ولكن الجانب المشترك في المسئولية الاجتماعية القانونية ينحصر في التوعية والتثقيف والاعلام والتعريف بالقانون لوجود مبدأ قانوني عام في كل القوانين الوضعية ويعتبر هو الفيصل في تطبيق قانون العقوبات علي كل من يثبت في حقه ارتكابه اثما او مخالفة، وذلك المبدأ القانوني له اصله في الدين الاسلامي بالنص القرآني الكريم في قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).
وذلك ن الله جلّ وعلا لا يعذب أحداً من خلقه لا في الدنيا ولا في الآخرة، حتى يبعث إليه رسولاً ينذره ويحذره، فيعصي ذلك الرسول، ويستمرّ على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار.
واما في القانون الوضعي فلا يسري القانون بمواجهة مقترف الخطيئة الا بعد نشر القانون ويكون النشر في الوسيلة التي تحددها السلطة التي تعمل علي تكبيق القانون، ومثال ذلك في الدول العربية ينشر القانون بعد المصادقة عليه في الجريدة الرسمية ومن ثم يتم العمل به في مواجهة الكافة. ويعتبر ذلك قرينة علي الكافة بانهم قد قرأوا وعلموا القانون ولا يجوز لهم الاحتجاج بعدم معرفة القانون استنادا لمبدأ قانوني أصيل تعتمد عليه كافة المحاكم بمختلف انواعها ودرجاتها "عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون"
ومع الفارق ودون التشبيه بين المبدأين وشتان بين الوسيلة والغاية لكل منهما، الا ان الاستنتاج مشترك وهو ضرورة العلم والمعرفة بما هو جائز وما هو غير جائز لتفادي الوقوع في المحظور ومن ثم التعرض للعقاب، فالاصل في الاشياء او في الافعال الاباحة، ولكن بوجود القيود التي تحظرها يصبح الفعل مؤثما يعرض فاعله للجزاء، فنشدد هنا علي ضرورة الثقافة القانونية ولو بجزء يسير حتي يحتمي بها المكلف بالقانون من الجزاء القانوني. فهذه المسئولية القانونية التثقيفية لعامة الشعب تقع علي عاتق الجهة المناط بها تطبيق القانون في المرتبة الأولى ومن ثم تتواصل تلك المسئولية لتكون علي عاتق كل من يشتغل بالقانون، وكذلك جميع الجهات والمنظمات التي تتعامل مع جمع من اعداد المتعاملين والعاملين معها او لديها، وليس أدل من ذلك تعليق ووضع قرارات التنظيم ولوائح الجزاء في مكان بارز وواضح ليكون بامكانية الجميع الاطلاع عليها، فالحاجة للثقافة القانونية جزء لا يتجزأ من المسئولية المجتمعية.



الاثنين، 28 أكتوبر 2019

الجانب القانوني للعطاء



العطاء تحث عليه جميع الاديان السماوية، وكذلك الفطرة الانسانية السليمة لتخفيف وطأة الحياة وصعوبتها علي المحتاجين من بني البشر، والعطاء صفة تجسد الكرم حينما ينبع من القلوب وليس من الجيوب، أي ان يقوم الانسان بلعطاء ليس بالفائض الذي لديه فقط ولكن يعطي للمحتاج دونما اي سؤال أو الحاح، حيث ان فضيلة العطاء تكون بالمبادرة والايثار وهي قمة الانسانية في ابهي الصور حينما يبادر المعطي بالبذل من أجل الآخر.

العطاء يتكون من طرفين ان جاز التعبير الاول مقدم العطاء والثاني المعطي له، بمعني الواهب والموهوب له، والعطاء التزام عقدي له شقين شق الايجاب وشق القبول، ولابد من تطابق الايجاب والقبول لتتوافق الارادتين (الواهب والموهوب له) لانعقاد العقد وفي القانون يطلق عليه عقد الهبه وهو عقد كسائر العقود التي نظمها المشرع في كل التشريعات المدنية التي تنظم العقود بمختلف صورها مثل عقد البيع وعقد الايجار وعقد المقاولة،،، الخ تلك العقود التي يتداولها الناس في حياتهم اليومية. ويرتب التزامات علي مقدم العطاء ان يفي بالتزامه بتعهده بتقديم ما وعد به الي المعطي حسب اتفاقه معه بالوقت المحدد، وذلك لا يكون جليا حينما يكون ذلك بين افراد عاديين اي يقوم شخص عادي بتقديم يد العون الي محتاج سواء بتقديم معونة مالية او انجاز خدمة او حتي تقديم اشياء عينية فذلك من الامور التي تتم دونما اي تعقيد وبطريقة تبعها اغلب الناس.

ولكن يثور التطرق للجوانب القانونية حينما يتم تقديم المساعدات بواسطة مؤسسة تعمل في مجال اغاثة المنكوبين وليس لدي تلك المؤسسة القدرة المالية لتواجه سد حاجات هؤلاء المنكوبين ومساعدتهم وبالتالي يتحول دور تلك المؤسسة الي جهة تنفيذية تتلقي الاموال سواء كانت مادية او عينية من المتبرعين لايصالها الي محتاجيها والمتبرعين ايضا لن يكونوا افراد طبيعين بل مؤسسات لها طابع الشخصية المعنوية، وبالتالي كان لزاما علي كل جهة من تلك المؤسسات التي تجمع المال وكذلك المؤسسات التي تنفق الاموال ان تلتزم بالأطر القانونية مثل تطبيقات الحوكمة وسياسة الافصاح عن مصدر تلك الاموال ومقدارها، والشفافية بالاعلان عن التعهدات التي التزم بها مقدمي العطاء سواء من حيث الكم او من حيث المدة الزمنية للايفاء بالتعهد. وايضا القيام بتحويلات الاموال للجهات المنفذة (خصوصا باختلاف الاقاليم) باتباع الطرق القانونية والرقابية الخاصة بكل دولة والاالتزام بالتصريح عن ذلك للجهات المختصة.

هذا من ناحية التزام المؤسسات فيما بينها سواء كانت تعمل علي جمع التبرعات، او كانت مؤسسات مانحة لاموال التبرعات، او مؤسسات منفذة للمشاريع التي كانت من اجلها التبرعات. اما من حيث المتلقي للمعونة والاغاثة فلا تثريب ان تم الاعلان وجهة ونوع المشروع او حتي اسم الدولة المراد صرف التبرعات فيها، ولكن من غير الجائز الاعلان عن اسماء الافراد او تصويرهم حين تلقيهم للمساعد فهذا يعتبر اهدار لكرامتهم واذلال لادميتهم واهانة للشخص المحتاج حينما يتم استعراض صورته عبر وسائل الاعلام وهو يتلقي المساعدة. وان كانت المؤسسات الثلاثة المذكورة قد تشترط واحدة علي الاخري بتقديم دليل وتقرير مصور يفيد بايصال المعونات لمستحقيها ولكن ذلك لا يعد سببا كافيا يبيح تصوير الافراد، فالعطاء قمة العمل الخير لابد ان يتم بثقة متبادلة مطلقة بين مؤسسات تثق ببعضها البعض يديرها ثقاة مشهود لهم بالامانة والاخلاص وحب عمل الخير الطوعي.

الثلاثاء، 23 يوليو 2019

المسئولية المجتمعية بين الشراكة المجتمعية والقانون



أن اللجوء لاستخدام الوسائل المتنوعة في تعزيز مفهوم وقيم المسئولية المجتمعية بين أفراد المجتمع ضرورة وطنية لتحقيق الوعي بين أكبر شريحة ممكنة من المجتمع. للحرص بداية علي تفعيل دور المسئولية المجتمعية علي أكمل وجه، وكذلك لتفادي وقوع الأفراد بالمحظورات القانونية تجاه أي جزئية من جزئيات المسئولية المجتمعية.

حيث إن المسئولية المجتمعية تعني بتحقيق الحياة الأفضل لجميع من يعيش علي كوكب الأرض، فكما تحقق الرفاهية للإنسان باعتبار أن ذلك حق أصيل من حقوقه المشروعة للعيش بكافة السبل التي تضمن الحياة المثلي، كذلك تحقق الحماية لكل الكائنات للبقاء علي قيد الحياة واستمرارية العيش، والمسئولية المجتمعية تضمن الحفاظ علي البيئة بأنواعها المختلفة لتكون بيئة صالحة وصديقة للجميع وليس ذلك فحسب بل اذا تعمقنا اكثر بمفهوم المسئولية المجتمعية نجدها كما تنص علي حماية الإنسان والحيوان والنبات والبيئة أيضا المسئولية المجتمعية تتطرق للجماد ليكون بمواصفات قياسية معينة حماية متبادلة لكل الأطراف.

صحيح أن المسئولية المجتمعية بمعناها الواسع لا تعتبر الزامية ولا يوجد قانون ينص أو ينظمها بكل شموليتها، ولكن باعتبارها تتوزع وتنقسم إلي عدة أجزاء أو مكونات عديدة فنجد قوانين كثيرة تعني ببعض تلك الفصول المنبثقة من المسئولية المجتمعية، فالقوانين كثيرة تلك التي تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع باعتبار أن المجتمع الركيزة الأولي للمسئولية المجتمعية، وفي الجانب القانوني للركيزة الثانية تتعدد القرارات واللوائح التي تنظم النشاط الاقتصادي، وتتنوع التشريعات سواء محلية علي مستوي كل بلد أو إقليمية وحتي علي شكل اتفاقيات دولية نتيجة مؤتمرات ودورات للمنظمات العالمية التي تضفي الحماية للبيئة كونها الركيزة الثالثة.

ولا يتأتى ذلك إلا من خلال الموازنة بين أبعادها الثلاثة من خلال صياغة التشريعات الجيدة التي تهدف لتحقيق المصلحة العامة ونعني هنا بالمصلحة العامة التي تكفل تحقيق التوازن وإضفاء الحماية لعناصر المسئولية المجتمعية، فلابد من إعداد القوانين من جهات مختصة دونما أي هيمنه من جهة علي حساب أخري مع الأخذ بعين الاعتبار تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات داخل الدولة ولكن بذات الوقت تطبيق نظام دراسة الأثر التشريعي قبل سن القانون بمعني تفعيل دور الشعب وهو الأعلم بمصلحته في مجال التشريع بواسطة الجمعيات والنقابات وكافة منظمات المجتمع المدني التي أساسا هي المكون الأساسي للشعب وذلك بإشراكها حين التدخل لسد الفراغ التشريعي أو التعديل والتطوير للقوانين القائمة، ومن ثم عرض القوانين قبل إصدارها علي جهات متخصصة للتأكد من عدم مخالفتها للقواعد التي تعلوها، وكذلك مراجعة التسلسل الرقمي للتشريعات لتفادي ظاهرة القوانين المفقودة والتأكد من عدم تعارض القوانين فيما بينها وتداخل اختصاص الجهات المعنية بتطبيق تلك القوانين، هذا علي سبيل لمثال إيجاز بسيط لصياغة القوانين الوطنية.

ولكن صنع القانون في الوقت الحاضر قد تجاوز الحدود الوطنية وانتقل خارج الاطار الحصري للدولة، ليكون علي شكل قانون دولي نتيجة لمعاهدة تنظم إليها الدولة الطرف وبعد ذلك تصادق عليها عبر الجهة المختصة التابعة للدولة الطرف مثل البرلمان أي السلطة التشريعية أو من خلال مصادقة الحكومة أي السلطة التنفيذية، ومن ثم تقوم الدولة الطرف بنشرها باي وسيلة نشر معتمدة لنشر القوانين والغالب تكون الجريدة الرسمية لنشر القوانين، وبعد التاريخ المحدد لنفاذ المعاهدة تعتبر تلك المعاهدة أو الاتفاقية بمثابة قانون وطني أو كما يسمي قانون داخلي ذو إلزامية علي المخاطبين به في داخل الدولة شأن تلك الاتفاقية بعد نشرها في الجريدة الرسمية كأي قانون آخر يتعرض من يخالف ما ورد في مواده للمسائلة القانونية، فأفراد المجتمع ملزمين بتطبيق القانون الوطني والذي في الأصل كان بمثابة اتفاقية دولية ولكن بعد المرور بالمراحل التي التطرق إليها بإيجاز التوقيع والمصادقة والنشر، وأيضا يوجد علي الدولة الطرف التزام بمجرد انضمامها للاتفاقية فلابد من تطبيق بنود المعاهدة وعدم مخالفتها.

ومن اهم التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة تطوير سيادة القانون في سياق إدارة الشئون العامة لتحقيق الاستدامة بغية الوصول للمسئولية المجتمعية والتي تتحقق بتحقيق التنمية المستدامة، وبالمناسبة فمن غير المعقول أن تحقق مؤسسة ما،،، أهداف التنمية المستدامة دونما أن يكون لها دور في المسئولية المجتمعية، وكذلك الحال لا يتصور أن تبرز احدي المؤسسات في المسئولية المجتمعية دون أن تسعي لتحقيق الاستدامة. ولذلك كثيرا ما تكون المؤسسات القانونية الوطنية غير مجهزة تجهيزا كافيا للاستجابة بشكل وقائي واستباقي لإقرار قواعد قانونية تحاكي الواقع الذي يعني بتحقيق التنمية المستدامة، ليس قصورا بتلك المؤسسات ولكن للترابط العابر للحدود بين القواعد المقصود إقرارها والظواهر المرصودة وللحيلولة من ظهور وقائع تتجاوز حدود اكثر من دولة كان لا بد للمجتمع الدولي أن يقف حائلا دون ذلك من خلال تظافر جهود المعنيين لصياغة اتفاقات دولية ومعاهدات تحقق الهدف المنشود. وان دل ذلك علي شيء أنما يدل علي الإحساس الدولي بالمسئولية المجتمعية أي شعور كل الدول بضرورة التدخل للحفاظ علي المجتمع الأممي أو المجتمع الأم ولا ينحصر ذلك علي الأفراد فقط بل يتعداهم ليشمل البيئة وأشكال الاقتصاد المختلفة، ومن هنا تتداعي الدول مجتمعة لحماية المكون للمجتمع الأممي، وأكرر نعني بها هنا الأبعاد الثلاثة للمسئولية المجتمعية، وهو ما يعكس الشراكة المجتمعية لتفعيل وللاستفادة من مبدأ المسئولية المجتمعية فالشراكة بين الدول والتظافر لتحقيق اعلي مستوي من الحرص علي تطبيق المسئولية علي الجميع من خلال سن القوانين وتبادل الخبرات الوقائية لحماية المجتمع الأم. فالضرورة تكمن في الشراكة المجتمعية في الجوانب القانونية لإقرار دور المسئولية المجتمعية.

الاثنين، 15 يوليو 2019

الحماية القانونية للعنصر البشري كبعد اجتماعي لاستدامة


بقراءة للأهداف السبعة عشر التي أقرتها الأمم المتحدة كرؤية تحقق التنمية المستدامة، وبالتركيز علي  الهدف الثالث "ضمان تمتّع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار"، وبالنظر إلى العامل المشترك بينه وبين الهدف السادس عشر "السلام والعدل والمؤسسات"، نجد أن كلا من الهدفين يولي العنصر البشري اهتماما خاصا فالأول يعني بحياته وبصحته ورفاهيته والثاني يعني بالأمن والأمان ويحظر العنف بكافة صوره وأشكاله، حيث أن العنف كما يفقد الشعور بالسلام قد يهدد حياة المجتمعات إن لم يتسبب بوفاة بعض الافراد حتما سيكون سببا للأذى والالم والذي قد تنتج عنه عاهات واصابات بليغة، أو اضرار نفسية دفينة قد تؤثر علي حياة الفرد وانتاجيته وانخراطه في المجتمع كضو فعال، مما قد تتاح له الفرصة ليكون غير سوي في بعض الاحيان بسبب التعرض للعنف والشعور بالقهر والضعف لانعدام الحماية له، فمن الأهمية بمكان  ادراج الحرية والسلام والأمن واحترام حقوق الإنسان في إطار التنمية، والتأكيد علي ان حاجة المجتمع لمثل تلك الغايات التي ذكرت بالهدفين 3 و 16 حاجة ضرورة دون ادني شك لبناء مجتمع متقدم متطور يعيش حياة حديثة في امن ورخاء، وهذه هي التنمية الحقيقية في بعدها الاجتماعي أداتها الرئيسية الإنسان وهو كذلك غايتها فالإنسان هو الذي يصنع التقدم ويسخر الحضارة، بما يستخدمه من مختلف الوسائل المتاحة أو التي يسعي إلى إتاحتها وبما يسيطر عليه من استغلال قوي الطبيعة ووضعها في تناوله، وبما يأخذ من تكنولوجيا حديثة وصل إليها بعلمه وفكره، أو بما يضع من نظام وتنظيم يسوس بهما نفسه، ويوازن بهما حقوقه والتزاماته، وحقوق غيره وواجباته، سواء كان هذا الغير اقرب الأقربين إليه كأفراد أسرته، أو غيرهم من أبناء بلده. إلى أن يتسع هذا النظام ليشمل العلاقات بين مختلف الأمم والدول. وما تضعه هذه الدول منفردة من أنظمة أو ما تسنه مجتمعة من علاقات بين منظمات إقليمية متخصصة أو علي مستوي العالم كله فالمقصود بالحماية هنا هو الإنسان وهو جدير بها ومستحقها ومن يصوغ تلك الأطر الحمائية أيضا هو الإنسان فهو الغاية الذي يعيش ويحيا حياة عصره، بما يجب أن يقدمه له هذا العصر وتتحقق رسالته الإنسانية من حياة رغدة في بدنه ونفسه وخلقه وعقله، حياة تجمع بين الخيرات المادية، والخيرات الفكرية، فالتنمية التي تجمع بين المادة والفكر بين الإنتاج بكل صوره ومظاهره  واساليبه، وبين العقل والضمير وشيوع الحق وترسيخ العدالة واضفاء السلام وانتصار القيم، هي التنمية التي نسعي اليها. ولانحيد عننها حولا، هي تلك التنمية التي تتفق ورسالة الانسان في الدنيا ونيابته عن خالقه.
ومن هذا المدخل نتأكد بضرورة وجود القانون او النظام كضرورة الماء والهواء لتحقيق التنمية المستدامة، سواء في حدود الإقليم ذاته او في جميع ارجاء المعمورة، فلابد من وجود قوانين تتماشي وخطة التنمية فبإمكان الدول تطويع القانون بواسطة القرارات واللوائح التنفيذية وجعله متوائما مع الخطة الإنمائية، او ان يتدخل المشرع ويسن قوانين جديدة سواء بتعديل او الغاء القوانين القائمة ان كان لذلك مقتضي لجعلها متناغمة مع الأهداف المرجو تحقيقها بغية الوصول للتنمية المستدامة، فلا جرم في ذلك كي نمنع وجود هوة او تصادم بين القانون والاستدامة ونوفق بتذويب أي تعارض ظاهري او حقيقي بينهما.
فلا غرو ان يكون القانون معبرا عن مختلف أنشطة الدولة التي تسعي الأهداف المرسومة، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تحقيق العدل وليس اقوي منه ولا ابلغ منه مهادا صالحا وارضا صلبة لتحقيق الاستدامة فبالعدل والامن وبالحق وسيادة القانون يواكب الانسان التقدم، ويسعي بكل جهد وطاقة وعزة للأخذ بالأهداف الإنمائية والسير بأسبابها ثم جني ثمارها رغد ورخاء في تنمية مادية وإنسانية.

الخميس، 24 يناير 2019

طبيعة الالتزام في المسئولية المجتمعية



في القانون تثور مسألة الالتزام، الموجب للمسئولية، كأثر لعدم الالتزام أو كأثر للإخلال بالالتزام. فمثلاً في القانون المدني يتوجب الالتزام بأخذ الحيطة والحذر لعدم الوقوع في الخطأ المسبب للضرر لأي كائن كان، وذلك ما يسمي في القانون المسئولية التقصيرية. حيث يلتزم المخطئ بتعويض المتضرر تعويضا جابرا للضرر، اذا ثبتت العلاقة ما بين الخطأ المرتكب والضرر الذي حاق بالآخر.
وكذلك توجد المسئولية العقدية عن الإخلال في التزامات العقد سواء كانت عقود بيع أم شراء أو المقاولة.... إلخ، وتوجب التعويض أيضا.
وفي القانون الجنائي يكون الجزاء بالمرصاد لن ينتهك أي قاعدة تجرم أي فعل، ولفعله الآثم يكون مستحقاً للعقوبة، وهو ما يطلق عليه المسئولية الجنائية.
وأيضا قانون الموظفين يكون الموظف عرضة للعقوبة التأديبية الصادرة بحقه من جهة الإدارة بسبب إهماله أو عدم إتقانه لعمله، وهذا ما يسمى المسئولية الإدارية.
هذه المقدمة البسيطة والمختصرة فقط لتوضيح الارتباط بين المسئولية والالتزام، فما تم بيانه يعبر عنه بمصطلح المسئولية القانونية.
والمسألة هنا ما هو تكييف المسئولية المجتمعية؟؟
فالمسئولية المجتمعية تقوم على ثلاثة أبعاد وكأنها مثلث، وكل بعد من هذه الأبعاد الثلاثة بمثابة ضلع للمثلث فإذا تم تجاهل أحد الأضلاع لا يتشكل المثلث، وبالتالي فإن أركان المسئولية المجتمعية هي: المجتمع، البيئة، والاقتصاد. فلابد للاقتصاد المتمثل بالتجارة والمصانع والمعامل والأعمال مهما كان حجمها، أن يحترم البيئة المتمثلة بكوكب الأرض الذي نعيش فيه بكل محتوياته ماء وهواء ويابسة، والالتزام بعدم الأضرار بالبيئة. وحتى المجتمع المتمثل بالسكان أو البشر الذين سخرت لهم الأرض وما عليهم لابد أن يحافظوا عليها ولا يعيثون بها فسادا، فالبيئة تعطينا ما نريد وما لا نريد، فلابد أن يكون جزاء الاحسان الا الاحسان، ويتقابل هذا العطاء بالشكر والامتنان، فلولا المصادر الطبيعية بجميع مشتملاتها لما استطاع البشر أن يعيش على كوكب الأرض، وكذلك لما استطاعت الدورة الاقتصادية أن تكتمل، والأمر كذلك إذا نظرنا للعلاقة بين المجتمع والاقتصاد، فالمؤسسات الاقتصادية منتجة والمجتمعات هي المستهلك، ولن تكتمل الحلقة إلا بتعاون الاثنين معاً، ليس بمصلحة الاقتصاد الربحية فقط، ولا حتي بمصلحة المجتمع الحصول علي ما يريد من خدمات وسلع، دون الاخذ بالاعتبار مصلحة البيئة التي لولاها لما تحققت الأرباح الاقتصادية ولا تحققت رفاهية المجتمعات، وبالتالي يتعين على المجتمعات المحافظة على البيئة لأنها هي الحاضنة لهم، والمؤسسات الاقتصادية وإن كانت شخصيتها اعتبارية، ولكنها مشكّلة من مجموعة من الأفراد وبالاساس هم المجتمع مطالبين أيضاً بحماية البيئة. 
أما المؤسسات بشخصيتها المعنوية، فلابد وأن تساهم بدرء الأخطار عن البيئة، وكذلك لابد أن يكون لها دور إيجابي في تحسين أوضاع أفراد المجتمع، وذلك يتأتى برسم الأهداف التي تحقق رؤية الاستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة لمواجهة التحديات التي تهدد الأفراد والبيئة والوصول لحلول تمنع تفاقم تلك المواجهات الصعبة.
فتلك الكيانات الثلاث الكيان الاقتصادي والمجتمعي والبيئي لا بد وأن يتم التوازن بين مصلحة كل كيان، فليس من مصلحة أي كيان من تلك الكيانات الثلاث تغليب مصلحته علي الآخر. مثلا ليس من المعقول أن يزدهر الاقتصاد وتتدهور البيئة مما ينعكس سلبا علي حياة المجتمع. وكذلك الحل اذا استمرأ المجتمع علي البيئة مما يكبد الاقتصاد خسائر فادحة بتفرغه لمعالجة الأضرار البيئية وعدم الالتفات لرفاهية المجتمع، ونقصد بالاقتصاد هنا كل منظمة تعمل لأجل تقديم خدمة للمجتمع سواء كانت بمقابل أو دونما أية تكلفة، ومهما كان حجم تلك المنظمة وتصنيفها سواء حكومية أو تجارية أو مؤسسة مجتمع مدني.
وبالتالي فالمطلوب تعاون المجتمعات البشرية والكيانات الاقتصادية في تحقيق المصلحة المشتركة ولا تغليب مصلحة علي أخري ليس من أجل الحفاظ علي البيئة فحسب، بل لأن حماية البيئة تعتبر حماية للاقتصاد والمجتمع معا.
إذن المسئولية ليست قانونية وإن كان يوجد بعض القوانين لحماية البيئة وتغليظ العقوبات بشأنها، فمسئولية الأفراد تجاه البيئة مسئولية قناعة للمحافظة على البيئة قبل أن تكون مسئولية قانونية، وكذلك مسئولية المؤسسات الاقتصادية تجاه أفراد المجتمع يجب أن تكون مسئولية نابعة من الإحساس بضرورة التدخل للحد من المشاكل وفق ما رسمتها خطة التنمية المستدامة ولا يتأتى ذلك إلا من خلال النتائج التي تحققها الأهداف المرسومة لكل دول العالم، فقد تختلف الأهداف المراد تحقيقها من دولة لأخري.
وهذه المسئولية هي بمثابة الالتزام الطبيعي، او المسئولية الادبية، وتختلف عن المسئولية القانونية التي تم الإيجاز بشأنها فانها يفرضها القانون، وتقوم بين شخص وآخر جاني ومجني عليه، أو دائن ومدين، والفاعل فيها يقع تحت طائلة القانون. أما المسئولية المجتمعية فإنها نابعة من عنصر ذاتي وهو الضمير والفاعل فيها هو الخصم والحكم، وتعد المسؤولية الأدبية أعم من المسؤولية القانونية وأوسع نطاقاً منها؛ وذلك لأنه لا يشترط فيها الإضرار بالغير. بل يكون الدافع لها تحسين ظروف الغير ليس من باب الصدقة والإحسان، وليس خضوعا لأي التزام قانوني، بل لأنها أمر أخلاقي ذو أثر محمود نتيجة الالتزام الطبيعي. 
منشور في الكتاب العربي للمسئولية المجتمعية الجزء الأول، إصدار: الشبكة الإقليمية للمسئولية المجتمعية والمعهد العربي للتخطيط، 2019، ص 39