وأخيرا بعد شد وجذب وآراء متنافرة وجهود متظافرة، تم إقرار زيادة رواتب العاملين بالقطاع النفطي بفضل حنكة ودبلوماسية أصحاب القرار، وجهود مبذولة من نقابات وممثلي العاملين بالنفط، بنزع فتيل المشاحنة والخلاف وتجنيب البلاد إضراب يسبب توقف عصب الاقتصاد وشريان الحياة في الكويت، ولعل الزيادة من أسبابها الأعباء الوظيفية الملقاة علي العاملين في ظل ظروف صعبة وأجواء قاسية وبيئة عمل تهدد صحتهم ووقت غير منتظم علي حساب راحتهم وأفراد أسرهم، فهم يستحقون الزيادة بدون شك نظرا لحجم الأعمال التي يقومون بها، وأيضا من أسباب الزيادة تعرض بعضهم للجمود الوظيفي، ولسنوات عديدة دونما أية ترقية مما يعني عدم تغيير الراتب، وان كانت الزيادة تلبي متطلبات العاملين من حيث الاعتبار المادي فقط ولكنها لن تحقق طموح البعض منهم من الناحية المعنوية حيث أن البعض منهم لا يزال يؤدي ذات العمل لعدة سنين مما ينعكس سلبا علي أداء وإنتاجية العمل، ولتفادي ذلك يجب وضع آلية للترقية وتحديد مدة حد ادني وحد اقصي للبقاء في وظيفة أو منصب معين، والمعلوم أن سياسة الترقيات في القطاع النفطي تفتقد الحد الأقصى من السنوات للبقاء في الدرجة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال اتباع سياسة الإحلال أي ضخ دماء جديدة، وعدم السماح بالاستمرار في العمل لمن تجاوزت خدمته سنين معينة ولتكن مثلا خدمة الثلاثين سنة، علما بأن بعضهم تجاوزت خدمته الثلاثين والخمسة والثلاثين سنة، وبسبب الزيادة المغرية الجديدة التي أقرت مؤخرا فلن يفكر البعض إلا بالاستمرار مجددا في وظيفته مما يعني انه يعمل علي حساب صحته خصوصا ممن يعمل منهم بنظام المناوبة، والحل الأمثل هنا بإعطاء ""باكيج"" أي مكافأة لمن يريد ترك الخدمة، من العاملين الكويتيين تشجيعا له وتعويضا للرواتب المرتفعة والتي لم تأتي إلا في المرحلة النهائية من خدمته الوظيفية.
ولن يخفي علي احد الكلفة المالية للزيادة التي أقرت مؤخرا، ولو أنها كانت لمن يستحقها وهم العاملين في القطاع الحيوي المهم في البلاد، ولعل التردد في إقرارها مبرر بعض الشيء لتضخم حجم النفقات في الدولة، ولكن اتباع تخفيض النفقات ليس من خلال التقشف بالرواتب المستحقة للعاملين الكويتيين، ولكن باتباع اسلوب تخفيف العمالة الوافدة في القطاع النفطي، وذلك بداية بتطبيق جزء من الخصخصة التي ينادي بها البعض وذلك بتحويل البعض منهم إلى المقاول ويستمرون بتأدية أعمالهم ولكن بنظام العقود، وذلك لتخيف تكلفة المزايا العينية والنقدية التي يتمتع بها بعضهم مثل ميزة السكن والأثاث وميزة السيارات الفاخرة والتي تجدد سنويا بأحدث موديل، وتكاليف المدارس الأجنبية لأبناء البعض منهم و""البونص"" أي المكافأة السنوية ومنحة تذاكر السفر السنوية للموظف الأجنبي وزوجته وأبناءه والتي تشكل مبلغا وقدره،، حسب موطن العامل، وتكلفة العلاج الطبي للعمالة الوافدة سواء كان العلاج داخل او خارج الكويت، ومن ثم توفير تكلفة الدورات التدريبية الداخلية منها والخارجية ومخصصات الدورات والابتعاث للخارج والتي تستمر أحيانا عدة شهور، واقتصار تلك المزايا علي العاملين الكويتيين فقط، وخصوصا وانه بزيادة الرواتب الأخيرة يصاحبها ارتفاع في مكافأة نهاية الخدمة وارتفاع في تكاليف ساعات العمل الإضافي. وما أراه ليس إلا الأسلوب المتبع في أغلب دول العالم حيث أن المزايا مقتصرة علي المواطنين فقط، أما الوافدين بلا شك يستحقون أجورهم بمقتضي العقود المبرمة بينهم وبين رب العمل. وفي النهاية نجد المعادلة قد تحققت بأن تلك المصروفات كانت تفوق زيادة رواتب العاملين الكويتيين. خصوصا وان تلك المزايا محروم منها أغلبية العاملين الكويتيين في القطاع النفطي، وكذلك موظفو القطاعات الأخرى بالدولة، والجدير بالذكر أن الزيادة ستفتح شهية منتسبي مختلف القطاعات للمطالبة بمثلها علي مستوي البلد.
وأخيرا نخص بالشكر سمو رئيس مجلس الوزراء علي إقرار الزيادة، والشكر موصول لجميع من سعي علي تحقيقها، ونبارك لجميع العاملين في القطاع النفطي تلك الزيادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق