الفصل الثاني
حكم المسئولية الجنائية في الممارسات الرياضية
تمهيد وتقسيم
تبين لنا في الفصل السابق أهمية الرياضة وفوائدها وأنها تكسب ممارسيها القوة البدنية والتحلي بالأخلاق الحسنة، فقد شجع الإسلام عليها وذلك تنفيذا لقوله تعالي:
"إن خير من استأجرت القوي الأمين". ورب قائل يقول:- لقد نزلت هذه الآية الكريمة في موسى عليه السلام وابنة نبي الله شعيب، فكيف نحتج بها هنا ؟
الإجابة بسيطة وسهلة: إن العبرة دائما بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، هكذا يقول علماء الأصول. فما يجب على الناس إتباعه هو نص الآية الكريمة.
القوة ، والأمانة.
فأما القوة: فأنها تعني القدرة علي القيام بالأعباء أو بعبارة أخرى إنها تعني الكفاية والخبرة الفنية. وأما الأمانة: فأنها تعني الكفاية الخلقية، التي تنبع من خشية الرحمن عز وجل.
ولأننا بصدد الممارسات الرياضية فأننا نعني بالقوة هنا، القوة البدنية والتي لا تتحقق إلا بممارسة الرياضة والتدريب وإتقان اللعب أي الكفاية الفنية، وأما الأمانة أو الكفاية الخلقية فهي منبع الروح الرياضية التي يجب أن يتحلى بها كل من يمارس الرياضة والألعاب في ظل إطار الإباحة التي منحت له بموجب الشريعة أو القانون، لذلك نرى أن نقسم هذا الفصل إلي مبحثين، نتناول في المبحث الأول عرض المسئولية الجنائية في المسابقات، وبيان توافر عنصر المسؤولية من عدمه في كل من الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي. ومن ثم بيان الإباحة في الممارسات الرياضية في مبحث ثان.
المبحث الأول
المسئولية الجنائية في المسابقات
إن الألعاب الرياضية من الموضوعات الهامة التي عالجها الفقه الإسلامي لما قد يصاحبها من آثار تصل إلى حد فوات النفس، وتناولها القانون الوضعي، كما أن المسابقات الرياضية قد ينشأ عنها أفعالا من ممارسيها قد تشكل جريمة رياضية، ارتأيت التريث في بحثها في هذا الفصل وان نبحثها في الفصول القادمة، وعليه سنتناول بحث المسئولية الجنائية في المسابقات في مطلبين خصص المطلب الأول منهما للمسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي، وثانيهما للمسئولية الجنائية في القانون الكويتي.
المطلب الأول
المسئولية الجنائية في المسابقات الرياضية
في الفقه الإسلامي
ينقسم هذا المطلب إلي فرعين يتناول الأول منهما الألعاب الرياضية في الفقه الإسلامي فيما يتناول الثاني الجناية في الألعاب الرياضية في الفقه الإسلامي.
الفرع الأول
الألعاب الرياضية في الفقه الإسلامي
الأصل أن تحقق الألعاب الهدف النبيل منها وألا يترتب عليها ضرر وإن كثيرا ما تتحقق المسئولية الجنائية في المسابقات التي تتسم بالعنف واستخدام القوة. وإلا أصبحت فتنة تثير المنازعات إن لم يراع الهدف المنشود من وراء ممارسة تلك الألعاب. ولقد اجمع جمهور الفقهاء على جواز المصارعة لأن فيها حثا على الجهاد. وأن النبي عليه الصلاة والسلام صارع مرتين، وذلك كما يلي:
الأولى: مصارعة ابن الأشدين
لقد أورد أصحاب السير أن أبا الاشدين الجمحي – واسمه كلدة بن أسيد بن خلف – دعا النبي– صلى الله عليه وسلم – إلى المصارعة، وكان قد بلغ من شدته مبلغا عظيما، وقال: إن صرعتني أمنت بك، فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم – مرارا فلم يؤمن.
الثانية: مصارعة ركانه
كما أورد أصحاب السير كان ركانه بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف، أشد قريش، فخلا يوما برسول الله – صلى الله علية وسلم في بعض شعاب مكة – فقال له رسول الله صلى الله علية وسلم: يا ركانه ألا تتقى الله وتقبل ما ادعوك إليه – فقال إني لو أعلم أن الذي تقول حقا لاتبعتك! فقال رسول الله صلى الله علية وسلم: " أفرأيت أن صرعتك، أتعلم أن ما أقول حق؟ قال: نعم، فقال قم حتى أصارعك، فقام إليه ركانه يصارعه فبطش به رسول الله صلى الله علية وسلم، أضجعه وهو لا يملك من نفسه شيئا، ثم قال: عد يا محمد، فعاد فصرعه، فقال: يا محمد والله أن هذا للعجب أتصرعني؟ فذهب ركانه إلى قومه فقال فوالله ما رأيت أسحر منه قط.
ولقد ذهب بعض المعاصرين إلى أن الرياضة العنيفة كالمصارعة التي تؤدي بحياة الإنسان أو يفقد معها أحد أعضائه محرمة. وهذا ما يترجح لأن المباح يجب ألا يترتب عليه انتهاك محرم وهو إزهاق نفس أو إتلاف عضو من الأعضاء إلا إذا كانت بضوابط على نحو لا تلحق الضرر بالمتصارعين.
في الملاكمة:
فإن حكم الملاكمة (القتال بالأيدي) يختلف عن حكم المصارعة لان الضرر فيه غالب فلا يخلو من إلحاق الضرر بالمتسابق والغرض من هذه الألعاب هو التقوي على الجهاد وليس إلحاق الضرر بالآخرين.
وفى رفع الأثقال:
لقد كان العرب في السابق يتسابقون في رفع الأحجار لمعرفة الأشد وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يربعون حجرا يعني يرفعونه ليعرف الأشد منهم فلم ينكر عليهم. ولقد اجمع العلماء على جواز مداحاة الأحجار ورفعها من الأرض لمعرفة الأشد. بشرط أن تكون بلا عوض لأنه لا يعد للحرب فكان اخذ العوض فيه من آكل المال بالباطل.
وهناك الألعاب التي لا تتسم بالعنف مثل المناضلة:
هي تنافس متشاركين فأكثر على البراعة في استعمال السلاح ورمي الهدف على مال بشروط معينة والمناضلة سنة إذا نوي بها الإعداد للجهاد ومقارعة الأعداء والأصل في مشروعيتها قوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" وقد فسَّر النبي صلى الله عليه وسلّم القوة في الآية بالرمي: (ألا إن القوةَ الرميُ) أعادها ثلاثاً رواه مسلم. وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم على نفر من أَسْلَم ينتضلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: (ارموا بني إسماعيل فإنَّ أباكم كان رامياً ارموا وأنا مع بني فلان)، قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (ما لكم لا ترمون؟) قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ قال: (ارموا وأنا معكم كلِّكم) وقال عليه الصلاة والسلام:(لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل) رواه أبو داود والترمذي.
قال ابن قدامه ويشترط لصحتها شروط ثمانية:-
1. تعيين الرماة لان الغرض معرفة الحذق في الرمي فلا يتحقق مع عدم التعيين.
2. تعيين نوع القسي لأنه لأغراض نختلف باختلافها فقد يكون الرامي احذف بنوع منه بالنوع الأخر وانه لم يكن في البلد إلا نوع واحد فلا يحتاج إلى التعيين لان الإطلاق ينصرف إليه.
3. أن يرميا غرضا وهو ما يقع فيه السهم المصيب من جلد أو نحوه وان قالا السبق لأبعدنا رميا لم يصح لأن القصد بالرمي الإصابة، لا الإبعاد فلم يجز اخذ العوض المقصود.
4. أن يكون قدر الغرض معلوما طوله وعرضه وانخفاضه وارتفاعه لان الإصابة تختلف باختلافه فوجب علمه كتعيين النوع.
5. أن يكون مد الغرض معلوما مقدرا بما يصيب مثلهما ومثله عادة.
6. أن يكون الرشق معلوما والرشق بكسر الراء عدد الرمي.
7. أن يكون عدد الإصابة معلوما.
8. التسوية بين المتناضلين في عدد الرشق والإصابة وصفتها وسائرا أحوال الرمي.
----------------------------------------------
(كما وعدتكم سأقوم بنشر البحث، علي شكل أجزاء متسلسلة، ترقبوا الجزء التالي بأقرب وقت)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق